
لماذا يغذي السياسيون العداء للضرائب في العراق؟!
وكالة مختصر العراق/
بقلم زهراء سعدون/
يفتقر العراق إلى ثقافة الضرائب بشكل مثير للاهتمام، وذلك على نطاق القوانين والسياسة، فضلا عن الشعب والمواطن العراقي الذي يعتقد أن الضرائب ليست سوى “انتقام” حكومي وسلب للحقوق.
منذ بداية النظام السياسي الحديث بعد العام ٢٠٠٣، فقد طرأت تغييرات على قوانين الضريبة بهدف إصلاحها استجابة للدستور وللحاجة بالنهوض باقتصاد البلد، إلا أن مراقبون ومختصون يرون أن هذه التغيرات التي تمثلت بتخفيض سعر ضريبة الدخل وزيادة السماحات القانونية هي ابعد ماتكون عن “الإصلاح”، حيث أهملت الحكومات المتتالية ملف الضرائب، غير شاعرة بضرورته ودوره الفعال في بناء أساس اقتصادي للبلد. وبالتأكيد فإن وفرة النفط والسعر المرتفع نسبيا للبرميل الواحد مكن حكومات ما بعد ٢٠٠٣ بالحصول على المال الذي يسد الحاجة تقريبا، ويسهل عليهم عبور الفترة الحكومية المتمثلة بـ ٤ سنوات من دون الوصول إلى حالة “الإعاقة الاقتصادية”.
إلا أن الحياة بشكل عام أضحت أكثر تعقيدا، وليس بالغريب أن تنهار قيمة النفط فينهار معها الاقتصاد العراقي الذي وصفته الحكومة الحالية بـ “الهش”. هذه الهشاشة ربما كانت ستكون أقل، وربما كانت اساسيات الوضع الاقتصادي في العراق أكثر صلابة، لو أن المسؤولين في الحكومات التي مرت أبدوا القليل من الاهتمام لملف مثل الضرائب، وربما كان عبور الأزمات الاقتصادية سيكون أقل صعوبة.
وشخص تقرير أعدته هيئة النزاهة الاتحادية “عدداً من الحالات السلبية تمثلت بضعفٍ في إدارة بعض المفاصل في الهيئة العامة للضرائب، وإسناد إدارة بعض الفروع لأشخاصٍ تنقصهم الـخبرة والمؤهلات الضرورية؛ مما انعكس سلباً على عملها، فضلاً عن كثرة أوامر النقل وتغيير الإدارات خلال مدة زمنية قصيرة، ثم إلغاء بعضها لاحقاً؛ لأسبابٍ غير مسوغة”.
كما نبه التقرير إلى أن المراجعين المستطلعة آراؤهم أكدوا انتشار حالات الـرشـوة في عدد كبير من دوائر الـضريبة، وتعـقيد الإجراءات والتعمد في تأخير إنجاز المعاملات، لغرض ابتزاز المراجعين واضطرارهم لدفع الرشوة، كما أن ظاهرة تشابه الأسماء ما تزال تشكل مدخلاً رئيساً للابتزاز”.
يثبت هذا التقرير أن أحد العوامل التي تقف عائقا في طريق الإصلاح الاقتصادي هو الفساد المستشري في ملف الضرائب في العراق، بداية من المنافذ الحدودية والموانئ المسؤولة عن الكمارك وضرائب الصادر والوارد. وفقا لقانون التعرفة الجمركية، الذي اضطرت الحكومة إلى تنفيذه، بهدف تقليل نسبة العجز المالي في الموازنة العامة، وبحسب ما أعلنته هيئة الجمارك العامة فقد حصلت على (400 مليار دينار/306.5 ملايين دولار) خلال ستة أشهر من العام 2016، لكن هذا المبلغ ضئيل جدا بالمقارنة مع استيرادات القطاع الخاص، حيث كان البنك المركزي العراقي قد أعلن أن الحوالات الخارجية والاعتمادات المستندية لاستيرادات القطاع الخاص لا تقل عن 30 مليار دولار في العام 2016، وبالنظر إلى أن نسبة الضريبة الجمركية لا تقل عن 10% فإنه يستوجب أن تصل قيمة الإيرادات الجمركية إلى 1.5 مليار دولار خلال ستة الأشهر الأولى من العام ذاته، فيوضح هذا المثال البسيط حجم الفساد في الجهاز الضريبي العراقي على مر السنوات.
على الجانب الآخر، فإن الحكومة العراقية الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، ركزت منذ بدايتها على معالجة ما تم إفساده، بدءا من إصدار الكاظمي سلسلة أوامر تخص تغيير مسؤولين في المنافذ الحدودية بشكل خاص، وصولاً إلى طرح الورقة البيضاء الأكثر شمولية وعلمية.
وانطلاقا من إدراك ضرورة العمل على ملف الضرائب الذي يمكن أن يسهم بشكل كبير في انقاذ الاقتصاد العراقي من الانهيار، فقد أكد وزير المالية الحالي علي عبد الأمير علاوي سعي وزارته الى إعداد مسودة “قانون ضريبي جديد”، معتبراُ أن القانون الحالي لا يتناسب مع الظرف العراقي، لا سيما أن نسب الضرائب المفروضة “ضئيلة”.
وأوضح أن “نسبة الضرائب المتحصلة تبلغ 1% من الناتج القومي للدولة خلال العام الماضي، وهي نسبة ضئيلة جدا”، مؤكدا أن “نسبة ضريبة العقار المفترضة هي 9% من سعر العقار المقدر، أما الضريبة على نقل الملكية فهي تصاعدية تبلغ من 3% وحتى 6% من قيمة الملكية، أما نسبة ضريبة الدخل فتبلغ 15% من صافي الربح”.
ورعى علاوي منتصف شهر آب من العام الحالي مؤتمراً في العاصمة بغداد يهدف لإصلاح النظام الضريبي في البلاد.
حيث ناقش المؤتمر “الجدوى من تطبيق النظام الضريبي في العراق وضريبة العقار وضريبة العقود الحكومية والاستقطاع المباشر، اضافة الى محور ضريبة الدخل على شركات التراخيص النفطية وضريبة رواتب موظفي القطاع الخاص والعام وضريبة شركات الهاتف النقال والأعمال وضرائب مزاد العملة”.
من جانب آخر أكد علاوي ان وزارة المالية ماضية باتجاه تطبيق برامجها الإصلاحية المتعلقة بالسياسة الضريبية كونها احدى أهم الأهداف الاستراتيجية المنصوص عليها في الورقة البيضاء، مبيناً أن الوزارة تولي اهتماماً بالغاً في مجال إدخال التكنولوجيا العالمية والأنظمة الرقمية الحديثة عبر أتمتة العمل الضريبي بالكامل”.
يؤشر تأكيد وزير المالية إلى أن واحد من أهم العوامل التي تقف عائقا أمام السيطرة على الفساد المستشري في قضية الضرائب هو عدم العمل بالنظم الإلكترونية التي تسهل المراقبة، وتطبيق القوانين، فضلا عن زيادة الإنتاجية في هذا القطاع.
تكمن أهمية الإصلاح الضريبي في أي بلد، ليس فقط بتحقيق إيرادات أعلى للدولة لتمويل النفقات العامة للدولة، ولكن يمتد بشكل أكبر لتحقيق إصلاح اقتصادي كامل، حيث تعتبر الضرائب وسيلة أساسية في يد الحكومة لتشجيع وادامة وتنشيط الواقع الاستثماري وتوفر فرص عمل جديدة بين الشباب، فلا يمكن أن يكون هناك إصلاح اقتصادي وجلب للاستثمار بدون نظام ضريبي حديث ومواكب للتطور الاقتصادي في العالم.
وبهذا الشأن فقد ناقش الوزير علاوي جانب الإعفاءات الضريبية على المشاريع الاستثمارية باعتبارها من محفزات جذب المستثمرين وتوسيع قاعدة الفرص التنموية الواعدة.
بالرغم من أن فكرة تطوير وتحديث النظام الضريبي تبدو نظريا إيجابية وواعدة للاقتصاد العراقي، إلا أن الرفض السياسي المتواصل والمبني على المصالح الشخصية للسياسيين يمكن أن يشكل تحدياً كبيرا بالنسبة للحكومة الحالية، حيث أكد وزير المالية أن برنامج الإصلاح الاقتصادي المتمثل بسلسلة تطبيقات ضمن الورقة البيضاء قد يكون “مؤلما” بالنسبة للمواطن العراقي، إلا أن نتائجه الايجابية تظهر على المدى البعيد، وهي إجراءات لابد منها لتخفيض نسبة الخطر الذي يمكن أن يمر به العراق والمواطن العراقي مستقبلا.
وهذا ما يدفع الأطراف السياسية الأخرى بالاستفادة من رفض الشارع للترويج إلى برامجهم الانتخابية عبر مهاجمة هذه الطروحات ورفضها، خاصة وأنهم اعتادوا على خطط قصيرة المدى تضمن لهم مقعد برلماني لـ ٤ سنوات، من دون أن يعيروا أي أهمية لما بعده.